في مجتمعات عربية
تصبح ظاهرة هروب الفتيات في سن المراهقة من منزل الأسرة إلى الشارع- بكل ما
تحمله من معان وأخطار وضياع - ظاهرة تستحق الدراسة وتدق أجراس الخطر.. وقد
يكون هروب البنات في أوربا وأمريكا من بيت الأسرة إلى مرافقة الشباب وغير
ذلك من الأمور المقبولة هناك.. ولكن في مجتمعاتنا الإسلامية التي تعتني
بالترابط العائلي وتعلي من قيمة العرض تصبح هذه الظاهرة أمرا خطيرا.. ولكن
ما هي الأبعاد الحقيقية لهذه الظاهرة؟ وكيف تفشت في الأعوام الأخيرة؟ وما
هي الأرقام والأسباب والدوافع.. ثم ما هي النتائج التي تترتب علي هذا
الهروب .. وفي هذا التحقيق نلقي الضوء على أبعاد هذه الظاهرة...
تصاعد نسبة الهاربات
الدكتور
أحمد المجدوب - الخبير الاجتماعي بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية
الجنائية ـ يقول: لقد أثبتت الدراسات الميدانية ارتفاع معدل هروب الفتيات
من بيت الأسرة في السنوات الأخيرة.. .. وأسباب هذه الظاهرة المتنامية
عديدة، منها المؤثرات الإعلامية السلبية، وقد التقيت من خلال دراساتي
الميدانية بنماذج لفتيات مراهقات هربن من أسرهن بعد مشاهداتهن لأفلام تصور
الإطار الأسري على أنه قيد، وأن التحرر منه انطلاق إلى عالم الرفاهية
والنجاح.
هذا إلى جانب الظروف الاقتصادية وتطلعات الفتيات المراهقات من
الطبقات الدنيا إلى الثراء واللاتي يتم التقاطهن لتحويلهن إلى سلعة في سوق
الرقيق الأبيض. هذا إلى جانب الظروف الاجتماعية والأسرية القاسية، وتزايد
حدة الخلاف بين الآباء والأبناء من خلال الفجوة بين الأجيال وعدم تفهم كلا
منهم للآخر.
ضعف الوازع الديني
وفي دراسة للباحثة عطيات محمد صالح -
مدير عام باحثات الشرطة بالقاهرة - تذكر فيها أن هناك العديد من الأسباب
النفسية والاجتماعية لهروب الإناث، منها ضعف الوازع الديني لدي الفتيات
الهاربات وأسرهن ومخالطات رفيقات السوء والتفكك الأسري والطلاق، إلى جانب
الأسباب الدراسية كالهروب من التعليم وسوء التكيف الدراسي.. وقد يكون
الهروب من الريف للحضر سعيا وراء مظاهر المدينة وبريقها بدون رقابة أو
رعاية أسرية.
التلفزيون وراء الهروب
أما الباحثة شادية
الشيشيني (بمديرية أمن القاهرة) فتقو: هناك العديد من الأسباب الاقتصادية
والاجتماعية والنفسية لتلك الظاهرة، ولكنها تشير إلى أن التليفزيون يلعب
دورا مهما في هذا الموضوع من خلال أحاديث الفنانات التي دائما تشير إلى أن
سبب نجاحها أنها هربت من منزل أسرتها وعملت بالفن كراقصة، كما أن عرض
مسلسلات أجنبية لا تتفق ومجتمعنا يؤثر في سلوكيات العديد من المراهقات بعد
أن يتحقق لهن الإقناع بضرورة التقليد والعيش بحرية وجرأة.
التفكك الأسري
تقول
الدكتورة سعيدة أبو سوسو - رئيس قسم علم النفس بجامعة الأزهر -: تكثر
حالات هروب الفتيات في فترات الامتحانات وظهور النتائج التي تتسم بظهور بعض
حالات الاكتئاب وعدم التوافق الأسري.. والإناث في مرحلة المراهقة قد يتولد
لديهن إحساس بأنهن منبوذات من قبل زوج الأم أو زوجة الأب، وقسوة الإخوة
الذكور، مما يدفعهن للهروب والكذب وانتحال اسم آخر والادعاء بوفاة الوالدين
وعدم وجود أقرباء أو عائل مادي لهن؛ خوفا من العودة والعقاب.
وقد تهرب الفتيات نتيجة للضغط عليهن بالزواج من شخص مسن، وخاصة في الأسر الفقيرة التي يتقدم لها الأثرياء العرب.
أما
الدكتور يحيي حسن - أستاذ التربية بجامعة القاهرة – فيقول: أعتقد أن هناك
حالة من التمرد تخلقها أجهزة الإعلام وما تفجره من تطلعات مادية بحيث أصبح
للمال اليد الطولي في تحريك كل شيء... كإغراءات العمل بمهن كالرقص والخدمة
في الفنادق، بل وما هو أفظع من ذلك من ممارسات لا أخلاقية.. ولا ينبغي أن
نغفل أن بعض الآباء والأمهات في بعض البيئات العربية يشجعون بالفعل علي
هروب البنات تخلصا من أعباء التربية والإنفاق، وأيضا علي أمل أن تصبح
البنات قوة اقتصادية تضاف إلى رصيد الأسرة.ررررررررر
كيف نحد من تلك الظاهرة؟
يرى
الدكتور "أحمد المجدوب" أنه يجب أن تقترب الأم من فتاتها برفق، وخصوصا في
مرحلة المراهقة، وأن تجمع ما بين الحزم واللين مع المراقبة بطرق غير
مباشرة. وأوجه حديثي إلى الأمهات العاملات اللواتي يفضلن العمل علي رعاية
أطفالهن بأنهن بذلك يوجدن وحوشا ويزرعن القسوة في قلوب أبنائهن.. فأولي
لهن، وخصوصا عندما يكون لديهن أطفال، أن يتفرغن نفسيا واجتماعيا لرعاية
الأبناء، ويضعن ذلك علي قائمة الأولويات، ويتخذن وسائل إيجابية لمحاربة
الهروب بأن ينتقدن مثلا وبأسلوب علمي ما يعرض من قصص وحكايات من خلال وسائل
الإعلام، ويحذرن بالأدلة مما قد تتعرض له الفتاة إذا فكرت في هذا الأمر.
هذا إلى جانب أنه يجب أن تدقق الأم وتتعرف علي رفيقات فتاتها، وأن تبعد
عنها رفيقات السوء.