بعض اللمسات البيانية في سورة الكهف
قال الله تعالى:(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِالْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا {1} قَيِّمًا لِّيُنذِرَ بَأْسًاشَدِيدًا مِن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَالصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا {2} مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا{3} وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا )[سورة الكهف]
سؤال 1:في سورة الكهف قال الله تعالى (ماكثين فيه أبدا) آية 3 فلماذا لم تستخدم كلمة (خالدين)؟
المكث في اللغة: هو الأناة واللبث والإنتظار وليس بمعنى الخلود أصل المكث.الله تعالى يقصد الجنّة (إن لهم أجراً حسنا) والأجر الذي يُدفع مقابلالعمل وننظر ماذا يحصل بعد الأجر. والجنّة تكون بعد أن يوفّى الناس أجورهموفي الآية قال تعالى (أجراً حسناً) فالمقام هنا إذن مقام انتظار وليس مقامخلود بعد وعلى قدر ما تأخذ من الأجر يكون الخلود فيما بعد الأجر وهوالخلود في الجنّة. ومن حيث الدلالة اللغوية الأجر ليس هو الجنّة لذا ناسبأن يأتي بالمكث وليس الخلود للدلالة على الترقّب لما بعد الأجر.
سؤال 2:ما اللمسة البيانية في استخدام (فأردت) (فأردنا) (فأراد ربك) في سورة الكهف في قصة موسى والخضر؟
الملاحظ في القرآن كله أن الله تعالى لا ينسب السوء إلى نفسه ؛ أما الخيروالنِعم فكلها منسوبة إليه تعالى كما في قوله (وإذا أنعمنا على الإنسانأعرض ونئا بجانبه وإذا مسّه الشر كان يؤوسا) ولا نجد في القرآن فهل زيّنلهم سوء أعمالهم أبدا إنما نجد (زُيّن لهم سوء أعمالهم) وكذلك في قول اللهتعالى على لسان إبراهيم عليه السلام (الذي يميتني ثم يحيين) وقوله (وإذامرضت هو يشفين) ولم يقل يمرضني تأدباً مع الله تعالى.(أَمَّا السَّفِينَةُفَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْأَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً{79}) في هذه الآية الله تعالى لا ينسب العيب إلى نفسه أبداً فكان الخضرهو الذي عاب السفينة فجاء الفعل مفرداً.
(فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِّنْهُ زَكَاةًوَأَقْرَبَ رُحْماً {81})في هذه الآية فيها اشتراك في العمل قتل الغلاموالإبدال بخير منه حسن فجاء بالضمير الدالّ على الاشتراك. في الآية إذنجانب قتل وجانب إبدال فجاء جانب القتل من الخضر وجاء الإبدال من اللهتعالى لذا جاء الفعل مثنّى.
(وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِوَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَرَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةًمِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْتَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْراً {82})في هذه الآية الجدار كلّه خير فنسب الفعللله وحده وأنه يدلّ على أن الله تعالى هو علاّم الغيوب وسبق في علمه أنهذا الجدار تحته كنز لهما وأنه لو سقط سيأخذ أهل القرية المال من الأولاداليتامى وهذا ظلم لهم والله تعالى ينسب الخير لنفسه عزّ وجلّ.وهذا الفعلفي الآية ليس فيه اشتراك وإنما هو خير محض للغلامين وأبوهما الصالح واللهتعالى هو الذي يسوق الخير المحض. وجاء بكلمة رب في الآيات بدل لفظ الجلالة(الله) للدلالة على أن الرب هو المربي والمعلِّم والراعي والرازق والآياتكلها في معنى الرعاية والتعهد والتربية لذا ناسب بين الأمر المطلوب واسمهالكريم سبحانه.
سؤال 3:ما الفرق بين كلمة (قرية) وكلمة (مدينة) في القرآن الكريم كما وردتا في سورة يس وسورة الكهف؟
في اللغة : إذا اتّسعت القرية تُسمى مدينة ، والقرية قد تكون صغيرة وقدتكون كبيرة. وفي سورة يس وردت الكلمتان (وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلاًأَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءهَا الْمُرْسَلُونَ {13}) و (وَجَاء مِنْأَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُواالْمُرْسَلِينَ {20}) أي أن أصحاب القرية جدّوا في التبليغ حتى وصل إلىأبعد نقطة في المدينة مع بُعدها. وقوله تعالى (وجاء من أقصى المدينة رجليسعى) أي أن هذا الرجل جاء يحمل همّ الدعوة والتبليغ. ووصل التبليغ إلىأقصى نقطة في المدينة مع أنها متّسعة وهذا فيه دليل على جهدهم لنشر الدعوةوالذي جاء حمل همّ الدعوة من أقصى المدينة.
وفي سورة الكهف (فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍاسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَاجِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَلَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً {77}) و(وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَلِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌلَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَاأَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَافَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِصَبْراً {82}) استطعم موسى والخضر أهل القرية على سعتها أي أنهما جالافيها كلها وبلغ بهم الجوع كثيراً حتى استطعموا أهلها.
سؤال 4:في سورة الكهف ما دلالة حرف العطف واو في قوله (سبعة وثامنهمكلبهم) مع أنها لم ترد فيما قبلها (ثلاثة رابعهم كلبهم وخمسة سادسهمكلبهم)؟
الواو تفيد التوكيد والتحقيق كما صرّح المفسرون أي كأنها تدل على أن الذينقالوا أن أصحاب الكهف كانوا سبعة وثامنهم كلبهم هم الذين قالوا القولالصحيح الصواب ومنهم الزمخشري. الواو إذن هي واو الحال ولكنها أفادتالتوكيد والتحقيق بأن هذا القول صحيح لأن الواو يؤتى بها إذا تباعد معنىالصفات للدلالة على التحقيق والإهتمام (هو الأول والآخر والظاهر والباطن)وإذا اقترب معنى الصفات لا يؤتى بالواو (همّاز مشّاء بنميم) هنا الصفاتمتقاربة فلم يؤتى بالواو.
وفي قوله تعالى في سورة التوبة (التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَالْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَبِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِاللّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ {112}) نلاحظ أن الواو ذكرت مع الصفةالأخيرة وهي الأشد على النفس والآخرين وباقي الصفات الأولى كلها متقاربةلكن النهي عن المنكر يكون أشدّ على الإنسان وقد يؤدي إلى الإهانة والقتلأحياناً.
سؤال 5:ما الفرق من الناحية البيانية بين قوله تعالى في سورة الكهف (فأتبع سببا) وقوله (ثم أتبع سببا)؟
الحكم العام في النحو:الفاء تفيد الترتيب والتعقيب. وثمّ تفيد الترتيب والتراخي أي تكون المدة أطول.
وفي سورة الكهف الكلام عن ذي القرنين ففي الآية الأولي (فأتبع سببا) لميذكر قبل هذه الآية أن ذي القرنين كان في حملة أو في مهمة معينة وإنما جاءقبلها الآية (وآتيناه من كل شيء سببا) هذا في الجملة الأولى لم يكن قبلهاشيء وإنما حصل هذا الشيء بعد التمكين لذي القرنين مباشرة، أما في الجملةالثانية (ثم أتبع سببا) فهذه حصلت بعد الحالة الأولى بمدة ساق ذو القرنينحملة إلى مغرب الشمس وحملة أخرى إلى مطلع الشمس وحملة أخرى إلى بين السدينوهذه الحملات كلها تأتي الواحدة بعد الأخرى بمدة وزمن ولهذا جاء استعمالثم التي تفيد الترتيب والتراخي في الزمن.
ما دلالة قوله تعالى (ولا تقولنّ لشيء إني فاعل ذلك غداً) ولماذا استخدام اللام في (لشيء) ولم يقل (عن شيء)؟
ورود اللام بعد القول له أكثر من دلالة وهو ليس دائماً للتبليغ وإنما تأتيلبيان العِلّّة إما بمعنى عن أو بسبب أمر ما (قال له). وقد جاء في سورةالكهف في قصة الخضر مع موسى قوله تعالى: (ألم أقل لك أنك لن تستطيع معيصبرا)، ويقال في اللغة: قلت له كذا وكذا. وقد تأتي اللام مع القول لغيرالتبليغ وتأتي بمعنى عن كما جاء في قول الشاعر (كضرائر الحسناء قلن لوجههاإنه لدميم) قلن لوجهها بمعنى عن وجهها. وقد تأتي اللام بعد فعل قالللتعليل بمعنى لأجل ذلك أو بسبب ذلك
سؤال 6:ما إعراب كلمة (كلمة) في قوله تعالى (كبرت كلمة تخرج من أفواههم) سورة الكهف؟
كلمة هي تمييز، الفاعل ضمير مستتر ويأتي التمييز ليفسرها وتسمى في النحو: الفاعل المفسّر بالتمييز.
ما إعراب (أيّ) في الآية (لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أبدا) في سورة الكهف؟
أي: هي مبتدأ. وهي من أسماء الإستفهام وكل الأسماء التي لها صدر الكلام لايعمل بها ما قبلها إلا حروف الجرّ ولكن يعمل فيها ما بعدها (ولتعلمنّأيّنا أشدّ عذاباً وأبقى).
ما السبب في تنكير الغلام وتعريف السفينة في سورة الكهف في قوله تعالى(فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَاماً فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَنَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُّكْراً {74})و (فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَأَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً {71})؟
حسب التفاسير أن الخضر وموسى عليه السلام لم يجدا سفينة لما جاءا إلىالساحل ثم جاءت سفينة مارّة فنادوهما فعرفا الخضر فحملوهما بدون أجر ولهذاجاءت السفينة معرّفة لأنها لم تكن أية سفينة. أما الغلام فهما لقياه فيطريقهم وليس غلاماً محدداً معرّفاً.
سؤال 7: ما اللمسة البيانية في إختيار كلمة الأخسرين في قوله تعالى فيسورة الكهف (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً {103})؟وما الفرق بين الخاسرون والأخسرون؟
ورد في القرآن الكريم استخدام كلمتي الخاسرون كما جاء في سورة النحل (لاَجَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرونَ {109}) والأخسرون كماجاء في سورة هود (لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الأَخْسَرُونَ{22})، وفي سورة النمل (أوْلَئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِوَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ {5}) وآية سورة الكهف أيضاًََ(قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً) . وفي اللغةالأخسر هو أكثر خسراناً من الخاسر ، ندرس أولاً ما السبب في إختيار كلمةالأخسرون في سورة هود؟ إذا لاحظنا سياق الآيات في سورة هود نجد أنها تتحدثعن الذين صدوا عن سبيل الله وصدّوا غيرهم أيضاً ، إنما السياق في سورةالنحل فهو فيمن صدّ عن سبيل الله وحده ولم يصُدّ أحداً غيره فمن المؤكّدإذن أن الذي يصدّ نفسه وغيره عن سبيل الله أخسر من الذي صدّ نفسه عن سبيلالله لوحده فقط (ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّواْ الْحَيَاةَ الْدُّنْيَاعَلَى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ{107}).
وإذا قارنّا بين آية سورة هود وآية سورة النمل (إِنَّ الَّذِينَ لَايُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْيَعْمَهُونَ {4} أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ وَهُمْ فِيالْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ {5}) نجد أنه في سورة هود جاء التوكيد بـ(لا جرم) وهي عند النحاة تعني القسم أو بمعنى حقاً أو حقَّ وكلها تدل علىالتوكيد وإذا لاحظنا سياق الآيات في سورة هود الآيات (وَمَنْ أَظْلَمُمِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِباً أُوْلَـئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَىرَبِّهِمْ وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَـؤُلاء الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَىرَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ {18} الَّذِينَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً وَهُم بِالآخِرَةِهُمْ كَافِرُونَ {19} أُولَـئِكَ لَمْ يَكُونُواْ مُعْجِزِينَ فِيالأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء يُضَاعَفُلَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُواْيُبْصِرُونَ {20} أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَضَلَّعَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ {21}). أما في سورة النمل فسياق الآياتيدل على أنهم لا يؤمنون بالآخرة فقط أما في سورة هود فقد زاد على ذلك أنهميصدون عن سبيل الله وأنهم يفترون على الله الكذب وفيها خمسة أشياء إضافيةعن آية سورة النمل لذا كان ضرورياً أن يؤتى بالتوكيد في سورة هود باستخدام(لا جرم) والتوكيد بـ (إنهم) ولم يأتي التوكيد في سورة النمل.
ونعود إلى آية سورة الكهف (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَأَعْمَالاً {103} الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَاوَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً {104}). نلاحظ استخدامكلمة (ضلّ) مع كلمة (سعيهم) ولم يقل ضل عملهم لأن السعي هو العدو أو المشيالشديد دون العدو ، وقال في الحياة الدنيا وهو يحسب أنه يُحسن صنعا ،والإحسان هو الإتقان وليس العمل العادي ، في اللغة لدينا: فعل وعمل وصنع.أما الفعل فقد تقال للجماد (نقول هذا فعل الرياح) والعمل ليس بالضرورةصنعاً فقد يعمل الإنسان بدون صنع، أما الصنع فهو أدقّ وهو من الصَّنعة كمافي قوله تعالى (صُنع الله الذي أتقن كل شيء) والصنع لا تستعمل إلا للعاقلالذي يقصد العمل بإتقان.
إذن آية سورة الكهف جاء فيها ضلال وسعي وصُنع لذا استوجب أن يؤتى بكلمةالأخسرين أعمالاً ومن الملاحظ أنه في القرآن كله لم يُنسب جهة الخُسرانللعمل إلا في هذه الآية. ولأن هذه الآية هي الوحيدة التي وقعت في سياقالأعمال من أولها إلى آخرها (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات).
والأخسرين:اسم تفضيل أي أنه هناك اشتراك في الخُسران، يوجد خاسرون كُثُروالأخسرين بعضهم أخسر من بعض أي التفضيل فيما بين الخاسرين أنفسهم.
سؤال 8:ما الفرق من الناحية البيانية بين فعل استطاعوا واسطاعوا وفعل تسطع وتستطع في سورة الكهف؟
قال تعالى: (فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُنَقْباً {97}). زيادة التاء في فعل استطاع تجعل الفعل مناسباً للحث وزيادةالمبنى في اللغة تفيد زيادة المعنى. والصعود على السدّ أهون من إحداث نقبفيه لأن السدّ قد صنعه ذو القرنين من زبر الحديد والنحاس المذاب لذااستخدم اسطاعوا مع الصعود على السد واستطاعوا مع النقب. فحذف مع الحدثالخفيف أي الصعود على السد ولم يحذف مع الحدث الشاق الطويل بل أعطاه أطولصيغة له، وكذلك فإن الصعود على السدّ يتطلّب زمناً أقصر من إحداث النقبفيه فحذف من الفعل وقصّر منه ليجانس النطق الزمني الذي يتطلبه كل حدث.
أما عدم الحذف في قوله تعالى (قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَسَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْراً {78})وحذف التاء في الآية (ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِصَبْراً {82}) لأن المقام في الآية الأولى مقام شرح وإيضاح وتبيين فلميحذف من الفعل أما في الآية الثانية فهي في مقام مفارقة ولم يتكلم بعدهاالخضر بكلمة وفارق موسى عليه السلام فاقتضى الحذف من الفعل.
سؤال 9:لماذا قدّم البصر على السمع في آية سورة الكهف و سورة السجدة؟
قال تعالى في سورة الكهف (قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُغَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُممِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً {26}) وقالفي سورة السجدة (وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْعِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْصَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ {12}) والمعلوم أن الأكثر في القرآن تقديمالسمع على البصر لأن السمع أهم من البصر في التكليف والتبليغ لأن فاقدالبصر الذي يسمع يمكن تبليغه أما فاقد السمع فيصعب تبليغه ثم إن مدى السمعأقل من مدى البصر فمن نسمعه يكون عادة أقرب ممن نراه ، بالإضافة إلى أنالسمع ينشأ في الإنسان قبل البصر في التكوين ؛ أما لماذا قدّم البصر علىالسمع في الآيتين المذكورتين ؟ فالسبب يعود إلى أنه في آية سورة الكهفالكلام عن أصحاب الكهف الذين فروا من قومهم لئلا يراهم أحد ولجأوا إلىظلمة الكهف لكيلا يراهم أحد لكن الله تعالى يراهم في تقلبهم في ظلمة الكهفوكذلك طلبوا من صاحبهم أن يتلطف حتى لا يراه القوم إذن مسألة البصر هناأهم من السمع فاقتضى تقديم البصر على السمع في الآية.
وكذلك في آية سورة السجدة، الكلام عن المجرمون الذين كانوا في الدنيايسمعون عن القيامة وأحوالها ولا يبصرون لكن ما يسمعوه كان يدخل في مجالالشك والظنّ ولو تيقنوا لآمنوا أما في الآخرة فقد أبصروا ما كانوا يسمعونعنه لأنهم أصبحوا في مجال اليقين وهو ميدان البصر (عين اليقين) والآخرةميدان الرؤية وليس ميدان السمع وكما يقال ليس الخبر كالمعاينة. فعندمارأوا في الآخرة ما كانوا يسمعونه ويشكون فيه تغير الحال ولذا اقتضى تقديمالبصر على السمع.
سؤال 10:ما دلالة كلمة (لنعلم) في آية سورة الكهف (ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْلِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَداً {12})؟
قال تعالى في سورة الكهف (ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّالْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَداً {12}) والعلم قسمان قسميتعلق بالجزاء وقسم يعلمه الله ابتداء لا يتعلق بالجزاء. ما يفعله الإنسانهو من علم الله لكن حتى ما نفعله يتعلق بالجزاء وهناك علم آخر وهو العلمالذي قضاه الله تعالى وما يفعله الإنسان هو تصديق لعلم الله هذا. وقولهتعالى لنعلم أي الحزبين يعني لنعلم أي منهم يعلم الحقيقة لأن كل قسم قالشيئاً فمن الذي يعلم الحقيقة؟ الله تعالى. هناك علمان علم سابق الذي سجّلفيه الله تعالى القدر وعلم لاحق يحقق هذا العلم وهو الذي يتعلق بالجزاء.
سؤال 11:ماذا عن ربط المستقبل بـ(غد) فقط في قوله تعالى : (وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) الكهف) ؟
سبب نزول الآية هو الذي يحدد. سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلمعن ثلاثةأسئلة من قبل الكفار منها عن أهل الكهف فقال الرسول صلى الله عليه وسلم:سأجيبكم غداً لأنه لم يكن لديه علم وجاء غد ولم يُجِب الرسول صلى اللهعليه وسلمولم ينزل عليه الوحي مدة خمس عشرة ليلة فحصل إرجاف لأن الوحييتنزّل بحكمة الله تعالى ثم نزلت الآية (وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّيفَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23))فهي مناسبة لأصل سبب النزول وهذا ينسحب لأنهأحياناً سبب النزول لا يتقيّد بشيء. مثلاً في مسألة (وَلَا تُكْرِهُوافَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُواعَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْبَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ (33) (سورة النور)ماذا إذا لم يردنتعففاً؟ الحادثة التي حصلت أن عبد الله بن أبيّ أراد إكراههن وهن يردنالتحصّن فذكر المسألة كما هي واقعة ثم تأتي أمور أخرى تبيّن المسألة.
غداً في الآية موضع السؤال لا تعني بالضرورة الغد أي اليوم الذي يلي وإنما (قد) تفيد المستقبل وهي مناسبة لما وقع وما سيقع.
سؤال 12 -ما الفرق من الناحية البيانية بين قوله تعالى (شيئاً إمرا) و(شيئاً نُكرا) في سورة الكهف؟
قال تعالى على لسان موسى للرجل الصالح عندما خرق السفينة (فَانْطَلَقَاحَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَالِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا (71))وقال تعالىعندما قتل الرجل الصالح الغلام (فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَاغُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍلَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا (74)).
فوصف خرق السفينة بأنه شيء إمر ووصف قتل الغلام بأنه شيء نُكر وذلك أن خرقالسفينة ونزع لوح خشب منها دون قتل الغلام شناعة فإنه إنما خرق السفينةلتبقى لمالكيها وهذا لا يبلغ مبلغ قتل الغلام بغير سبب ظاهر. والإمر دونالنُكر فوضع التعبير في كل موضع بما يناسب كل فعل. وعن قتادة: النُكر أشدّمن الإمر. فجاء كل على ما يلائم ولم يكن ليحسن مجيء أحد الوصفين في موضعالآخر.
وهذا الاختلاف يدخل في فواصل الآي في القرآن الكريم.