تحية العلم ليست بدعة
يستشكل لدى بعض الشباب شرعية الوقوف لتحية العلم الوطني، ممّا جعل توضيح هذا الاستشكال ضرورة لإزالة اللبس حول هذه القضية. إنّ اتّخاذ العَلَم الوطني رمزًا للدول أمر عرفي، لا تخلو منه دولة اليوم، حيث كان العرب قبل الإسلام يرفعون الرايات ويحاربون دونها، كما كانت الرايات في عهد سيّدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من سيادة الدولة والخلافة الراشدة، وكان سقوط الراية إشارة إلى الهزيمة، فلا تكاد تسقط حتّى يحملها آخر ويكون حامل الراية هو القائد غالبًا.
وهكذا ظلّ هذا المعنى راسخًا في تاريخ الجهاد الإسلامي، بل هو يستند إلى فعل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وفعل أصحابه من بعده، حتّى نصّ بعض الفقهاء على استحبابه في الجيش؛ فالعَلَم كان له نوعا من التقدير عندهم لِمَا يرمز إليه من عزّة وشموخ وطني لا لذاته أو لونه.
فاحترام العَلَم والوقوف للنّشيد الوطني لا يعني احترام أو تقديس قطعة القماش، وإنّما احترام ما يرمز إليه؛ فهو رمز الوطن والشهداء الّذي ضحوا من أجله واحترامه بطريقة عرفية وليس فيها مظهر عبادي مثل الانحناء، فلا بدعة في ذلك.
وتحية العَلَم بالنشيد أو الوقوف له أو الإشارة باليد في وضع معيّن إشعار بالولاء للوطن والالتفاف حول قيادته والحرص على حمايته، وذلك لا يدخل في مفهوم العبادة له، فليس فيها صلاة ولا ذِكْر حتّى يُقال: إنّها بدعة، أو تقرُّب إلى غير الله. قال ابن إسـحاق: -في معركة مؤتة- لمّا أصيب القوم قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أخذ الراية زيد بن حارثة فقاتل بها حتّى قُتِل شهيدًا، ثمّ أخذها جعفر فقاتل بها حتّى قتل شهيدًا، قال ثمّ صمت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى تغيّرت وجوه الأنصار، وظنُّوا أنّه قد كان في عبد الله بن رواحة بعض ما يكرهون، ثمّ قال: ثمّ أخذها عبد الله بن رواحة فقاتل بها حتّى قتل شهيدًا (سيرة ابن هشام 2/380). وقال في طرح التثريب وفيه استحباب الألوية في الحروب (اللِّواء بكسر اللام والمد هو الراية ويسمّى أيضًا العَلَم، وقال أبو بكر بن العربي: اللواء غير الراية؛ فاللواء ما يعقد في طرف الرمح ويلوى عليه، والراية ما يعقد فيه ويترك حتّى تصفقه الرياح). وأمّا الوقوف عند سماع النّشيد الوطني، فإنّه يدخل في حكم جواز القيام للحاكم العادل والعالِم وأهل الفضل، لحديث أبي سعيد الخُذري رضي الله عنه: ''أنّ أهل قريظة نزلوا على حكم سعد بن معاذ -سيّد الأوس- فأرسل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى سعد، فأتاهُ على حمار، فلمّا دنَا من المسجد، قال للأنصار: قوموا إلى سيّدكم أو خيركم'' رواه البخاري7:/.41 وفي الصحيحين: أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: لأعطين الراية رجلاً يحبُّ الله ورسوله، ويحبُّه الله ورسوله، فأعطاها عليًّا.
وعن يزيد بن جابر الغفري عند ابن السكن قال: ''عقد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رايات الأنصار وجعلهن صُفرًا''، وعن أنس عنـد النسائي أن ابن أم مكتوم كانت معه راية سوداء في بعض مشاهد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم (نيل الأوطار للشوكاني 12/49، ومختصر سيرة الرّسول صلّى الله عليه وسلّم للإمام محمّد بن عبد الوهاب1/289).
ومن حديث كرز بن أسامة عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه عقد راية بني سليم حمراء. وكانت راية النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم سوداء ولواؤه أبيض.
المصدر :عبد الحكيم فماز